فصل: (باب الباء والذال وما يثلثهما في الثلاثي)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معجم مقاييس اللغة ***


‏(‏باب الباء والخاء وما يثلثهما‏)‏

‏(‏بخد‏)‏

باب الباء والخاء والدال‏.‏ ليس في هذا الباب إلاّ كلمةٌ واحدة بدخيل ولا يقاس عليها‏.‏ قالوا‏:‏ امرأةٌ بخَنْدَاة، أي ثقيلة الأوراك‏.‏

‏(‏بخر‏)‏

الباء والخاء والراء أصلٌ واحد، وهي رائحةٌ أو ريحٌ تثُور‏.‏ من ذلك البُخار، ومنه البَخُور بفتح الباء، وكان ثعلبٌ يقول‏:‏ على وزن فَعُول مثل البَرُود والوَجُور‏.‏ فأمّا قولهم للسحائب التي تأتي قُبُلَ الصّيف بناتُ بَخْر فليس من الباب، وذلك أنّ هذه الباء مبدَلة من ميم، والأصل مَخْرٌ‏.‏ وقد ذُكِرَ قياسُه في بابه بشواهِدِه‏.‏

‏(‏بخس‏)‏

الباء والخاء والسين أصلٌ واحد، وهو النَّقْصُ‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ‏}‏ ‏[‏يوسف 20‏]‏، أي نَقْص‏.‏ ومن هذا الباب قولهم في المُخّ‏:‏ بَخَّسَ تَبخيساً، إذا صار في السُّلامى والعَين، وذلك حتى نُقصانه وذهابه من سائر البدن‏.‏ وقال شاعر‏:‏

لا يَشْتَكِين عَمَلاً ما أنْقَيْن *** ما دام مُخٌّ في سُلامَى أوْ عَيْنْ

‏(‏بخص‏)‏

الباء والخاء والصاد كلمةٌ واحدةٌ، وهي لحمةٌ خاصة‏:‏ يقال لِلَحمة العين بَخَصَة‏.‏ وبخصت الرّجُل إذا ضربتَ منْهُ ‏[‏ذلك‏]‏‏.‏ والبَخَصَة لحمُ باطن خُفِّ البعير‏.‏ وبَخَصُ اليدِ لحمُ أصول الأصابع ممَّا يلي الراحة‏.‏

‏(‏بخع‏)‏

الباء والخاء والعين أصلٌ واحد، وهو القتل وما داناه من إذلالٍ وقهر‏.‏

قال الخليل‏:‏ بخَع الرّجلُ نفسَه إذا قتلَها غَيْظاً من شدّة الوَجْد‏.‏ قال ذُو الرّمّة‏:‏

ألاَ أَيُّهَذَا الباخِعُ الوجْدُ نفسَه *** لشيءٍ نَحَتْهُ عن يَدَيْهِ المقَادِرُ

ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ على آثَارِهِمْ‏}‏ ‏[‏الكهف 6‏]‏‏.‏ قال أبو علي الأصفهانيّ فيما حدثنا به أبو الفضل محمد بن العميد، عن أبي بكر الخيّاط عنه قال‏:‏ قال الضبّيّ‏:‏ بَخَعْتُ الذَّبيحةَ إذا قطعتَ عظْمَ رقَبتها، فهي مبخوعة، ونَخَعتُها دون ذلك، لأنَّ النخاعَ الخيطُ الأبيضُ الذي يجري في الرقبة وفَقَارِ الظهر، والبِخاع، بالباء‏:‏ العِرْق الذي في الصُّلب‏.‏ قال أبو عُبيدٍ‏:‏ بخعْتُ له نفسي ونُصْحي، أي جَهَدْتُ‏.‏ وأرضٌ مَبْخُوعة، إذا بُلِغَ مجهودُها بالزَّرع‏.‏ وبَخَعَ لي بحقِّي إذا أقرَّ‏.‏

‏(‏بخق‏)‏

الباء والخاء والقاف أصلٌ واحد وكلمة واحدة، يقال بَخَقْتُ عينَه إذ ضربتَها حتى تَعُورَها‏.‏ قال رؤبة‏:‏

* ومَا بعَينَيْه عَوَاوِيرُ البَخَقْ *

‏(‏بخل‏)‏

الباء والخاء واللام كلمة واحدة، وهي‏:‏ البُخْل والبَخَلُ‏.‏ ورجلٌ بخيلٌ وباخلٌ‏.‏ فإذا كان ذلك شأنَه فهو بخَّالٌ‏.‏ قال رؤبة‏:‏

* فَذاكَ بَخَّالٌ أَرُوزُ الأَرْزِ *

‏(‏بخو‏)‏

الباء والخاء والواو، كلمةٌ واحدةٌ لا يُقاسُ عليها‏.‏ قال ابنُ دريد‏:‏ البَخْو الرُّطَب الردِيّ، يقال رُطَبَةٌ بَخْوَةٌ‏.‏

‏(‏بخت‏)‏

الباء والخاء والتاء كلمةٌ ذكرها ابنُ دريدٍ، زعم أنّ البُخْت من الجمال عربيّة صحيحة، ‏[‏وأنشد‏]‏‏:‏

* لبنَ البُخْتِ في قِصاع الخَلَنْجِ *

‏(‏باب الباء والدال وما بعدهما في الثلاثي‏)‏

‏(‏بدر‏)‏

الباء والدار والراء، أصلان‏:‏ أحدهما كمال الشيء وامتلاؤه، والآخر الإسراع إلى الشيء‏.‏

‏[‏أمّا‏]‏ الأوّل فهو قولهم لكلّ شيء تَمَّ بَدْرٌ، وسمِّي البدرُ بدراً لتمامه وامتلائه‏.‏ وقيل لعشرة آلاف درهمٍ بَدْرةٌ، لأنَّها تمام العدد ومنتهاه‏.‏ وعينٌ بَدْرَةٌ أي ممتلئةٌ*‏.‏ قال شاعر‏:‏

وعين لها حَدْرةٌ بدرةٌ *** إلى حاجبٍ غُلَّ فيه الشُّفُر

ويقال لمَسْكِ السَّخْلة بَدْرَة‏.‏ وهذا محمولٌ على العَدَدِ، كأنّه سُمِّي بذلك لأنّه يسع هذا العدد‏.‏ ويقولون غُلامٌ بدرٌ، إذا امتلأَ شباباً‏.‏ فأمّا ‏"‏بدرٌ‏"‏ المكانُ فهو ماءٌ معروف، نُسِب إلى رجلٍ اسمه بدر‏.‏ وأمّا البوادر من الإنسان وغيره فجمع بادرة، وهي اللّحمة التي بَيْنَ المنكب والعُنُق، وهي من الباب لأنها ممتلئة‏.‏ قال شاعر‏:‏

* وجاءت الخيل محمَرّاً بوادرُها *

والأصل الآخر‏:‏ قولُهم بَدَرت إلى الشيء وبادَرْت‏.‏ وإنما سمِّي الخطاءُ بادرةً لأنّها تبدُر من الإنسان عند حِدّةٍ وغضب‏.‏ يُقالُ كانت منه بَوَادِرُ، أي سَقَطاتٌ‏.‏ ويقال بَدَرَتْ دَمْعتُه وبادرَتْ، إذا سبقَت، فهي بادرة، والجمعُ بوادر‏.‏ قال كثيِّر‏:‏

إذا قِيلَ هَذِي دارُ عَزَّةَ قادني *** إليها الهوى واستعجلتْنِي البوادِرُ

‏(‏بدع‏)‏

الباء والدال والعين أصلان‏:‏ أحدهما ابتداء الشيء وصنعُه لا عَنْ مِثال، والآخر الانقطاع والكَلال‏.‏

فالأول قولهم‏:‏ أبْدعْتُ الشيءَ قولاً أو فِعلاً، إذا ابتدأتَه لا عن سابق مثال‏.‏ والله بديعُ السّمواتِ والأرض‏.‏ والعرب تقول‏:‏ ابتدَعَ فلان الرَّكِيَّ إذا استنبَطَه‏.‏ وفلانٌ بِدعٌ في هذا الأمر‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ‏}‏ ‏[‏الأحقاف 9‏]‏، أي ما كنتُ أوّل‏.‏

والأصل الآخر قولهم‏:‏ أُبْدِعَتِ الراحلةُ، إذا كَلّت وعَطِبت، وأُبدِع بالرَّجُل، إذا كَلَّتْ رِكابُه أو عَطِبت وبقي مُنْقَطَعاً به‏.‏ وفي الحديث‏:‏ ‏"‏أنّ رجلاً أتاه فقال يا رسول الله، إني أُبْدِعَ بي فاحمِلْني ‏"‏‏.‏ ويقال الإبداع لا يكون إلا بظَلْعٍ‏.‏ ومن بعض ذلك اشتُقّت البِدْعة‏.‏

‏(‏بدغ‏)‏

الباء والدال والغين، ليست فيه كلمةٌ أصلية، لأن الدال في أحد أصولها مبدَلة من طاءٍ، وهو قولهم بَدِغَ الرَّجُل إذا تلطّخ بالشَّرّ، وهو بَدِغٌ من الرِّجال‏.‏ وهذا إنما هو في الأصل طاء، وقد ذكر في بابه ‏(‏بطغ‏)‏‏.‏ وبقيت كلمتان مشكوكٌ فيهما‏:‏ إحداهما قولهم البَدَغ التزحُّف على الأرض‏.‏ والأخرى قولهم‏:‏ إنّ بني فُلانٍ لبَدِغُونَ، إذا كانوا سِماناً حسنةً أحوالُهم‏.‏ والله أعلمُ بصحّة ذلك‏.‏

‏(‏بدل‏)‏

الباء والدال واللام أصلٌ واحد، وهو قيام الشيءِ مَقامَ الشيءِ الذاهب‏.‏ يقال هذا بدَلُ الشيءِ وبَدِيلُه‏.‏ ويقولون بدّلْتُ الشيءَ إذا غيّرتَه وإنْ لم تأتِ له ببَدَلٍ‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ مَا يَكوُنُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي‏}‏ ‏[‏يونس 15‏]‏‏.‏ وأبْدَلْتُه إذا أتيتَ له ببدلٍ‏.‏ قال الشاعر‏:‏

* عَزْلَ الأمِيرِ للأميرِ المُبْدَلِ *

‏(‏بدن‏)‏

الباء والدال والنون أصلٌ واحد، وهو شخص الشيء دون شَوَاه، وشَواهُ أطرافُه‏.‏ يقال هذا بَدَنُ الإنسان، والجمع الأبدان‏.‏ وسمي الوَعِل المُسِنُّ بَدَناً مِن هذا‏.‏ قال الشاعر‏:‏

قد ضَمّها والبَدَنَ الحِقَابُ

جِدِّي لِكُلِّ عاملٍ ثَوابُ

الرأسُ والأكْرُعُ والإهابُ

وإنما سمّي بذلك لأنهم إذا بالَغُوا في نَعْت الشيء سمَّوهُ باسمِ الجِنْس، كما يقولون للرّجُل المبالَغِ في نعته‏:‏ هو رجُل، فكذلك الوَعِل الشَّخيص، سُمّي بَدَنا‏.‏ وكذلك البَدَنَة التي تُهدى للبيت، قالوا‏:‏ سمّيت بذلك لأنّهم كانوا يستسمنونها‏.‏ ورجلٌ بَدَنٌ أي مُسِنٌّ‏.‏ قال الشاعر‏:‏

هل لِشبابٍ فَاتَ مِنْ مَطْلَب *** أمْ ما بُكاءُ البَدَنِ الأشْيَبِ

ورجل بادِنٌ وبَدِينٌ، أي عظيم الشَّخصِ والجِسم، يقال منه بَدُن‏.‏ وفي الحديث‏:‏ ‏"‏إني قد بَدُنْتُ‏"‏‏.‏ والنّاس قد يروُونه‏:‏ ‏"‏بَدَّنتُ‏"‏‏.‏ ويقولون‏:‏ بَدَّنَ إذا أسَنَّ‏.‏ قال الشاعر‏:‏

وكنتُ خِلتُ الشَّيبَ والتَّبدِينا *** والهَمَّ مما يُذْهِلُ القَرِينا

وتسمَّى الدِّرعُ البَدَنَ لأنها تَضُمّ البَدَن‏.‏

‏(‏بده‏)‏

الباء والدال والهاء أصلٌ واحد* يدلُّ على أوّل الشيءِ والذي يفاجِئُ منه‏.‏ يقال بادَهْتُ فُلاناً بالأمر، إذا فاجأتَه‏.‏ وفلانٌ ذو بَديهة إذا فجِئَهُ الأمْرُ لم يتحيَّر‏.‏ والبُدَاهة أوّل جَرْي الفرس، قال الأعشى‏:‏

إلاّ بُداهَةَ أو عُلا *** لَةَ سابحٍ نَهْدِ الجُزَارَهْ

‏(‏بدو‏)‏

الباء والدال والواو أصلٌ واحد، وهو ظُهور الشيء‏.‏ يقال بدا الشيءُ يَبدُو، إذا ظَهَر، فهو بادٍ‏.‏ وسُمِّي خلافُ الحَضَر بَدْواً من هذا، لأنّهم في بَرَازٍ من الأرض، وليسوا في قُرىً تستُرُهم أبنِيتُها‏.‏ والبادية خِلاف الحاضرة‏.‏ قال الشاعر‏:‏

فمن تكن الحَِضارةُ أعجبَتْهُ *** فأيَّ رِجالِ بادِيةٍ تَرَانا

وتقول‏:‏ بدا لي في هذا الأَمر بَدَاءٌ، أي تغيَّر رأْيي عما كان عليه‏.‏

‏(‏بدأ‏)‏

الباء والدال والهمزة من افتتاح الشيء، يقال بدأت بالأمر وابتدأت، من الابتداء‏.‏ والله تعالى المبْدِئُ والبادئُ‏.‏ قال الله عزّ وجلّ‏:‏ ‏{‏إنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ ويُعِيدُ‏}‏ ‏[‏البروج 13‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏كَيْفَ بَدَأَ الخَلْقَ‏}‏ ‏[‏العنكبوت 20‏]‏‏.‏ ويقال للأمر العَجَبِ بَدِيٌّ، كأنَّه من عَجَبِه يُبْدَأُ به‏.‏ قال عَبيد‏:‏

* فلا بديٌّ ولا عجيبُ *

ويقال للسَّيّد البَدْءُ، لأَنّه يُبدَأُ بذكره‏.‏ قال‏:‏

تَرَى ثِنانا إذا ما جاء بَدْأَهُمُ *** وبدؤُهم إنْ أتانا كان ثُنيانا

وتقول‏:‏ أبدأْت من أرضٍ إلى أُخرى أُبدِئُ إبداءً، إذا خرجتَ منها إلى غيرها‏.‏ والبُدْأَة النَّصيب، وهو من هذا أيضاً، لأنَّ كلَّ ذي نصيبٍ فهو يُبْدأ بذِكْره دونَ غيره، وهو أهمُّها إليه‏.‏ قال الشاعر‏:‏

فمَنحْتُ بُدْأَتَها رَقِيباً جانحِاً *** والنارُ تَلفحُ وَجْهَهُ بأُوارِها

والبُدُوءُ مفاصل الأصابع،واحدها بَدْءٌ، مثل بَدْع‏.‏ وأظنّه مما هُمِز وليس أصله الهمز‏.‏ وإنّما سمّيت بُدُوءاً لبُروزها وظُهورِها، فهي إذاً من الباب الأوّل‏.‏

وممّا شذَّ عن هذا الأصل ولا أدري ممّ اشتقاقُه قولهم بُدِئَ فهو مبدوءٌ، إذا جُدِرَ أو حُصِبَ‏.‏ قال الشاعر‏:‏

وكأَنّما بُدِئَتْ ظَواهِرُ جِلدِه *** ممّا يُصافِحُ من لهيبِ سِهامِها

‏(‏بدح‏)‏

الباء والدال والحاء أصلٌ واحدٌ تُرَدُّ إليه فُروعٌ متشابهة، وما بعد ذلك فكلُّه محمولٌ على غيره أو مُبْدَلٌ منه‏.‏ فأمّا الأصل فاللِّين والرَّخاوَة والسُّهولة‏.‏ قال الهُذَليّ‏:‏

كأنَّ أتِيَّ السَّيْلِ مَدَّ عليهمُ *** إذا دفَعَتْهُ في البَدَاحِ الجَراشِعُ

ثم اشتُقّ من هذا قولُهم للمرأة البَادِن الضَّخْمة بَيْدَح‏.‏ قال الطرمّاح‏:‏

أغَارُ على نَفْسِي لسَلْمةَ خالِياً *** ولو عرَضَتْ لي كلُّ بَيضاءَ بَيْدَحِ

قال أبو سعيد‏:‏ البَدْحاء من النِّساء الواسعة الرُّفْغ‏.‏ قال‏:‏

* بَدْحَاء لا يَسْتُرُهُ فَخْذَاها *

يقال بَدَحَتِ المرأةُ ‏[‏و‏]‏ تبدَّحَتْ، إذا حسُنَتْ مِشْيتها‏.‏ قال الشاعر‏:‏

يَبْدَحْنَ في أَسْوُقٍ خُرْسٍ خَلاخِلها *** مَشْيَ المِهارِ بماءٍ تَتَّقي الوَحَلا

وقال آخر‏:‏

يَتْبَعْنَ سَدْوَ رَسْلَةٍ تَبدَّحُ *** يقودُها هادٍ وعينٌ تَلْمَحُ

تَبَدّح‏:‏ تَبَسَّط‏.‏ ومن هذا الباب قول الخليل‏:‏ ‏[‏البَدْح‏]‏ ضربُك بشيءٍ فيه رَخاوة، كما تأخذ بِطِّيخة فَتَبْدَح بها إنساناً‏.‏ وتقول‏:‏ رأيتهم يَتبادَحُون بالكُرِينَ والرُّمانِ ونحوِ ذلك عبثاً‏.‏ فهذا الأصل الذي هو عمدة الباب‏.‏

وأمّا الكلماتُ الأُخَر فقولهم‏:‏ بدحَه الأمرُ، وإنما هي حاءٌ مبدلة من هاء، والأصل بدَهَهُ‏.‏ وكذلك قولهم ابتدحت الشيءَ، إذا ابتدأتَ به من تِلقاءِ نفسك، إنما هو في الأصل ابتدَعْت واختلقْت‏.‏ قال الشاعر‏:‏

يا أيُّها السّائلُ بالجَحْجاحِ *** لَفِي مُرَادٍ غَيْرَ ذِي ابتداحِ

وكذلك البَدْح، وهو العَجْز عن الحَمَالة إذا احتمَلها الإنسان، وكذلك عَجْزُ البعير عن حَمْل حِمْله‏.‏ قال الشاعر‏:‏

وكاين بالمَعن مِن أغَرَّ سَمَيْدَعٍ *** إذا حُمِّل الأثْقالَ ليسَ ببادِح

فهذا من العين، وهو الإبداع الذي مضَى ذكره، إذا كلَّ وأعيا‏.‏ فأمّا قول القائل‏:‏

بالهَجر من شعثاءَ والـ *** ـحَبْلِ الذي قَطَعَتْهُ بَدْحَا

فهو من الهاء، كأنها فاجأَتْ به من البديهة، وقد مضى ذكره‏.‏ وأما الذي حكاه أبو عُبيدٍ مِن قولهم بَدَحْتُه بالعصا، أي ضربتُه بها، فمحمول* على قولهم‏:‏ بدحْتُه بالرُّمّان وشبهِها، والأصل ذاك‏.‏

‏(‏باب الباء والذال وما يثلثهما في الثلاثي‏)‏

‏(‏بذر‏)‏

الباء والذال والراء أصلٌ واحد، وهو نَثْرُ الشيءِ وتفريقُه‏.‏ يقال بذرْتُ البَذْرَ أبْذُرُهُ بَذْراً، وبذَّرت المالَ أبَذِّرُه تبذيراً‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً‏.‏ إنَّ المُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّياطِينِ‏}‏‏.‏‏[‏الإسراء 26- 27‏]‏‏.‏ والبُذُر القومُ لا يكتمُون حديثاً ولا يحفَظُون ألسِنتَهم‏.‏ قال عليٌّ عليه السلام‏:‏ ‏"‏أُولئك مَصابيحُ الدُّجَى، ليسوا بالمَسَاييح ولا المَذَايِيع البُذُر‏"‏ فالمذاييع الذين يُذيعون، والبُذُر الذين ذكرناهم‏.‏ وبَذَّرُ مكانٌ، ولعلّه أن يكون مشتقّاً من الأصل الذي تقدَّم‏.‏ قال الشاعر‏:‏

سَقى اللهُ أمواهاً عَرَفْتُ مَكَانَها *** جُرَاباً ومَلكوماً وبَذَّرَ والغَمْرَا

‏(‏بذع‏)‏

الباء والذال والعين، كلمةٌ واحدة فيها نظرٌ ولا يقاسُ عليها، يقولون بَذَعْتُه وأبْذَعْتُه إذا أفزَعْتَه‏.‏

‏(‏بذل‏)‏

الباء والذال واللام كلمة واحدة، وهو تركُ صِيانةِ الشيء، يقال بذَلْتُ الشيءَ بَذْلاً، فأنا باذلٌ وهو مبذول، وابتذلْتُه ابْتِذالاً‏.‏ وجاء فلانٌ في مَباذِلهِ، وهي ثيابه التي يَبْتذِلُها‏.‏ ويقال لها مَعَاوِزُ، وقد ذُكِرَتْ في بابها‏.‏

‏(‏بذأ‏)‏

الباء والذال والهمزة أصلٌ واحد، وهو خروج الشيء عن طريقةِ الإحْماد، تقول‏:‏ هو بذِيءُ اللِّسان، وقد بَذَأْتُ على فلانٍ أبْذَأُ بُذاءً‏.‏ ويقال بَذَأت المكانَ أبذَؤُه، إذا أتيتَه فلم تُحْمِدْه‏.‏

‏(‏بذج‏)‏

الباء والذال والجيم أصلٌ واحد ليس من كلام العرب، بل هي كلمةٌ مُعَرَّبة، وهي البَذَجُ من وُلْدِ الضَّأن، والجمع بِذْجانٌ‏.‏ قال الشاعر‏:‏

قد هلكَتْ جارتُنا من الهَمَج *** وإنْ تَجُعْ تأكُلْ عَتُوداً أوْ بَذَجْ

‏(‏بذح‏)‏

الباء والذال والحاء أصلٌ واحد، وهو الشّقّ والتّشْريح وما قارَبَ ذلك‏.‏ قال أبو عليّ الأصفهانيّ‏:‏ قال العامريّ‏:‏ بَذَحْتُ اللَّحْمَ إذا شَرَّحْتَه‏.‏ قال‏:‏ والبَذْح الشقُّ ويقال‏:‏ أصابه بَذْحٌ في رِجْلهِ، أي شُقاقٌ‏.‏ وأنشد‏:‏

لأَعْلِطَنَّ حَرْزَماً بِعَلْطِ*** ثلاثةً عندَ بُذُوحِ الشَّرْط

قال أبو عُبيدٍ‏:‏ بَذَحْتُ لِسَانَ الفَصيلِ بَذْحاً، وذلك عند التفليك والإجرار‏.‏ وما يقاربُ هذا البابَ قولُهم لسَحَج الفَخِذَين مَذحٌ‏.‏

‏(‏بذخ‏)‏

الباء والذال والخاء أصلٌ واحد، وهو العلُوّ والتعظُّم‏.‏ يقال بَذَخَ إذا تَعَظَّمَ، وفلانٌ ‏[‏في‏]‏ باذخٍ من الشَّرف أي عالٍ‏.‏

‏(‏باب الباء والراء وما معهما في الثلاثي‏)‏

‏(‏برز‏)‏

الباء والراء والزاء أصلٌ واحد، وهو ظهور الشيء وبُدُوُّه، قياسٌ لا يُخْلِفُ‏.‏ يقال بَرَزَ الشيءُ فهو بارزٌ‏.‏ وكذلك انفرادُ الشيءِ من أمثاله، نحو‏:‏ تبارُزِ الفارِسَيْن، وذلك أنَّ كلَّ واحدٍ منهما ينفرد عن جماعته إلى صاحبه‏.‏ والبَرَاز المتَّسع من الأرض؛ لأنه بادٍ ليس بغائِطٍ ولا دَحْلٍ ولا هُوَّة‏.‏ ويقال امرأةٌ بَرْزَةٌ أي جليلةٌ تبرُزُ وتجلِسُ بفِنَاء بيتها‏.‏ قال بعضُهم‏:‏ رجل بَرْزٌ وامرأةٌ بَرزَةٌ، يوصَفانِ بالجَهارَةِ والعَقْل‏.‏ وفي كتاب الخليل‏:‏ رجل بَرْزٌ طاهرٌ عفيف‏.‏ وهذا هو قياسُ سائِرِ الباب، لأنَّ المُرِيبَ يدُسُّ نفسَه ويُخْفيها‏.‏ ويقال بَرَّزَ الرّجُلُ والفَرَسُ إذا سَبَقَا، وهو ‏[‏من‏]‏ الباب‏.‏ ويقال أبرزْتُ الشّيءَ أُبرِزُهُ إبرازاً‏.‏ وقد جاء المبروزُ‏.‏ قال لَبيد‏:‏

أوْ مُذْهَبٌ جَدَدٌ على ألواحه *** النّاطقُ المبروزُ والمخْتُومُ

المبروز‏:‏ الظاهر‏.‏ والمختوم‏:‏ غير الظاهر‏.‏ وقال قوم‏:‏ المبروز المنشور‏.‏ وهو وجهٌ حَسَنٌ‏.‏

‏(‏برس‏)‏

الباء والراء والسين أصلٌ واحدٌ، يدلّ على السهولة واللين‏.‏ قال أبو زيد‏:‏ بَرَّسْت المكانَ إذا سَهَّلْتَه وليّنْتَه‏.‏ قال‏:‏ ومنه اشتقاقُ بُرْسان قبيلة من الأزد‏.‏ والبُِرْس القُطْن‏.‏ والقياسُ واحد‏.‏ ومما شذَّ عن هذا الأصل قولهم‏:‏ ما أدري أيُّ البَرَاساءِ والبَرْنَساءِ هو، أي أيُّ الخلقِ هو‏.‏

‏(‏برش‏)‏

الباء والراء* والشين كلمةٌ واحدةٌ، وهو أن يكون الشيءُ ذا نُقَطٍ متفرّقةٍ بِيضٍ‏.‏ وكان جَذِيمَةُ أبرَصَ، فكُنِّيَ بالأبرش‏.‏

‏(‏برص‏)‏

الباء والراء والصاد أصلٌ واحدٌ، وهو أن يكون في الشيء لُمْعَةٌ تخالف سائرَ لونه، من ذلك البرصُ‏.‏ وربما سمَّوا القمرَ أبرص‏.‏ والبَرِيص مثل البصيص، وهو ذلك القياس‏.‏ قال‏:‏

* لهنّ بخدِّهِ أبداً بريصُ *

والبِرَاصُ بِقَاعٌ في الرّمل لا تُنْبِتُ‏.‏ وسامُّ أبْرَصَ معروفٌ‏.‏ قال القُتيبـيّ‏:‏ ويجمع على الأبارِصِ‏.‏ وأنشد‏:‏

واللهِ لو كنتُ لهذا خالصا *** لكُنتُ عبداً يأكل الأبارِصَا

وقال ثعلب في كتاب الفصيح‏:‏ وهو سامُّ أبْرَص، وسامّا أبرصَ، وسَوامُّ أبرصَ‏.‏

‏(‏برض‏)‏

الباء والراء والضاد أصل واحد، وهو يدلُّ على قلّةِ الشيء وأخذِهِ قليلاً قليلاً‏.‏ قال الخليل‏:‏ التبرُّض التبلُّغ بالبُلْغَة من العيش والتطلُّب لـه هاهنا وهاهنا قليلاً بعد قليل‏.‏ وكذلك تبرَّض الماءَ من الحوض، إذ قلَّ صبّ في القربة من هنا وهنا‏.‏ قال‏:‏

وقد كنتُ بَرَّاضاً لها قبلَ وَصْلِها *** فكيفَ وَلَزَّتْ حَبْلَها بحِبالها

يقول‏:‏ قد كنتُ أطلبُها في الفَيْنَةِ بعدَ الفينة، أي أحياناً، فكيف وقد عُلِّق بعضُنا بعضاً‏.‏ والابتراضُ منه‏.‏ وتقول‏:‏ قد بَرَضَ فلانٌ لي من ماله، وهو يَبْرُضُ بَرْضاً، إذا أعطاكَ منه القليلَ‏.‏ قال‏:‏

لَعَمْرُكَ إنّني وطِلابَ سَلْمَى *** لكالمتبرِّضِ الثَّمَدَ الظَّنُونا

وثَمَدٌ أي قليل، يقول رؤبة‏:‏

* في العِدِّ لم تقدَحْ ثِمادا بَرْضا *

ومن هنا الباب‏:‏ بَرَض النّبات يَبْرُِض بُرُوضاً، وهو أوّلُ ما يتناول النَّعَمُ والبارِض‏:‏ أوّلُ ما يبدو من البُهْمَى‏.‏ قال‏:‏

رَعَى بارِضَ البُهْمَى جَميماً وبُسْرَةً *** وصَمْعَاءَ حَتّى آنفَتْهُ نِصَالُها

‏(‏برع‏)‏

الباء والراء والعين أصلان‏:‏ أحدهما التطوُّع بالشيء من غير وجوبٍ‏.‏ والآخر التبريز والفَضْل‏.‏ قال الخليل‏:‏ تقول بَرَعَ يَبْرَعُ بُرُوعاً وبَراعةً، وهو يتبرَّع من قِبَلِ نَفْسِه بالعَطاء‏.‏ وقالت الخنساء‏:‏

جلدٌ جميلٌ أصيل بارِعٌ وَرِعٌ *** مأوى الأراملِ والأيتامِ والجارِ

قال‏:‏ والبارع‏:‏ الأصيل الجيّد الرأي‏.‏ وتقول‏:‏ وهبت للإنسان نتياء تبرُّعا إذا لم يَطْلُب‏.‏

‏(‏برق‏)‏

الباء والراء والقاف أصلانِ تتفرع الفروع منهما‏:‏ أحدهما لمعانُ الشيء؛ والآخر اجتماع السَّوادِ والبياضِ في الشيء‏.‏ وما بَعْدَ ذلك فكلُّه مجازٌ ومحمولٌ على هذين الأصلين‏.‏

أمّا الأول فقال الخليل‏:‏ البرق وَمِيضُ السَّحاب، يقال بَرَقَ السَّحَابُ بَرْقاً وبَريقاً‏.‏ قال‏:‏ وأبْرَقَ أيضاً لغة‏.‏ قال بعضهم‏:‏ يقال بَرْقَة للمرّة الواحدة، إذا بَرَقَ، وبُرْقَة بالضم، إذا أردْتَ المقدار من البرق‏.‏ ويقال‏:‏ ‏"‏لا أفعلُهُ ما بَرَقَ في السَّماءِ نجم‏"‏، أي ما طَلَعَ‏.‏ وأتانا عند مَبْرَقِ الصُّبح، أي حين برَق‏.‏ اللِّحْياني‏:‏ وأَبْرَقَ الرّجل إذا أمَّ البَرْقَ حينَ يراه‏.‏ قال الخليل‏:‏ البارقة السَّحابة ذاتُ البرق‏.‏ وكلُّ شيءٍ يتلألأ لونُه فهو بارقٌ يبرُق بَريقاً‏.‏ ويقال للسُّيوف بَوَارق‏.‏ الأصمعيُّ‏:‏ يقال أبرَقَ فلان بسيفه إبراقاً، إذا لمع به‏.‏ ويقال رأيت البارقةَ، ضوءَ بَرْق السُّيوف‏.‏ ويقال مرّت بنا اللّيلةَ بارقةٌ، أي سحابةٌ فيها برق، فما أدري أينَ أصابَتْ‏.‏ والعرب تقول‏:‏ ‏"‏هو أَعْذَبُ من ماء البارقة‏"‏‏.‏

ويقال للسيف ولكلِّ ما له بَريقٌ إبْريق، حتى إنّهم يقولون للمرأة الحسناءِ البَرّاقة إبريق‏.‏ قال‏:‏

* ديار إبريقِ العَشِيّ خَوْزَلِ *

الخوزَل المرأة المتثنِّية في مِشْيتها‏.‏ وأنشد‏:‏

أشْلَى عليه قانصٌ لمّا غَفَلْ ***

مُقلَّدَاتِ القِدِّ يَقْرُونَ الدَّغَلْ

فزَلّ كالإبريقِ عن مَتْنِ القَبَل

قال أبو عليّ الأصفهانيّ‏:‏ يقال أبْرَقَتِ السّماءُ على بلادِ كذا‏.‏ وتقول أبرَقْتُ إذا أصابتكَ السّماء‏.‏ وأبرَقْتُ ببلدِ كذَا، أي أُمطرْتُ‏.‏ قال الخليل‏:‏ ‏[‏إذا‏]‏ شَدَّدَ مُوعِدٌ بالوَعيد، قيل أَبْرق وأَرْعَد‏.‏ قال‏:‏

أَبْرِقْ وأَرْعِدْ يا يَزيـ *** دُ فما وَعِيدُك لي بِضائرْ

يقال بَرَقَ ورَعَدَ أيضاً‏.‏ قال‏:‏

فإذا جعلتُ‏.‏ فارسَ دونُكُمْ *** فارْعَُدْ هُنالِكَ ما بدا لَكَ وابرُقِ

أبو حاتم عن* الأصمعيّ‏:‏ بَرَقت السّماءُ، إذا جاءتْ ببرقٍ‏.‏ وكذلك رعدت، وبَرَق الرّجُل ورَعَد‏.‏ ولم يعرف الأصمعيّ أَبْرَقَ وأَرْعَدَ‏.‏ وأنشد‏:‏

يا جَلَّ ما بَعدَتْ عليك بلادُنا *** فابرُق بأرضِكَ ما بَدَا لك وارْعَُدِ

ولم يلتفت إلى قول الكُميت‏:‏

أبرق وأرْعِدْ يا يزيـ *** د‏.‏‏.‏‏.‏

قال أبو حاتم‏:‏ وقد أخبرنا بها أبو زيدٍ عن العرب‏.‏ ثم إنّ أعرابيّاً أتانا من بني كلاب وهو محرِم‏.‏ فأردنا أن نسأله فقال أبو زيد‏:‏ دَعُوني أتولَّى مسألتَه فأنا أرفَقُ به‏.‏ فقال له‏:‏ كيف تقول إنّك لتُبْرق وتُرْعِد‏؟‏ فقال‏:‏ في الخجيف‏؟‏ يعني التهدُّد‏.‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ أقول إنّك لتُبرِق وتُرْعِد‏.‏ فأخبرتُ به الأصمعيّ فقال‏:‏ لا أعرِف إلاّ بَرَق ورَعَد‏.‏

ومن هذا الأصل قال الخليل‏:‏ أبرَقت الناقةُ، إذا ضربَتْ ذَنبها مرّةً على فرْجها، ومرّة على عجُزِها، فهي بَرُوقٌ ومُبْرِق‏.‏ قال اللِّحياني‏:‏ يقال للنّاقة إذا شالت ذنبها كاذبةً وتلقّحت وليست بلاقِح‏:‏ أبرقت النّاقة فهي مُبْرِقٌ وبروقٌ‏.‏ وضدُّها المِكْتَام‏.‏

قال ابن الأعرابيّ‏:‏ بَرَقَت فهي بارق إذا تشذَّرَت بذَنبها من غير لَقْحٍ‏.‏ قال بعضهم‏:‏ بَرَّقَ الرجلُ‏:‏ إذا أتى بشيءٍ لا مِصداق له‏.‏

وحكى ابنُ الأعرابيّ، أنّ رجلاً عمل عملاً فقال لـه بعض أصحابه‏:‏ ‏"‏بَرَّقْتَ وعَرّقْت‏"‏ أيْ لوّحت بشيء ليس لـه حقيقة‏.‏ وعرّقت أقْلَلْتَ، من قولهم‏:‏

لا تمَلأِ الدَّلْوَ وعَرِّقْ فيها *** ألا تَرى حَبَار مَنْ يسقِيها

قال الخليل‏:‏ الإنسان البَرُوقُ هو الفَرِقُ لا يزال‏.‏ قال‏:‏

* يُرَوِّعُ كلَّ خَوَّارٍ بَرُوقِ *

والإنسانُ إذا بَقِيَ كالمتحيِّر قيل بَرِق بَصَرُه بَرَقاً، فهو بَرِقٌ فَزِعٌ مبهوت‏.‏ وكذلك تفسيرُ مَنْ قرَأها‏:‏ ‏{‏فإذا بَرِقَ البَصَرُ‏}‏ ‏[‏القيامة 7‏]‏، فأمّا مَن قرأ‏:‏ ‏{‏بَرَقَ البَصَرُ‏}‏ فإنّه يقول‏:‏ تراه يَلْمع مِن شدَّة شُخوصه تراه لا يطيق‏.‏ قال‏:‏

لَمّا أتاني ابنُ عُمْيرٍ راغباً *** أعطيته عَيْسَاءَ منها فَبَرَقْ

أي لعَجَبِه بذلِكَ‏.‏ وبَرَّقَ بعينه إذا لأْلأَ من شدة النظر‏.‏ قال‏:‏

فعَلِقَتْ بكفِّها تَصْفِيقَا *** وطَفِقَتْ بِعَينها تبريقا

* نحوَ الأميرِ تَبْتَغي التّطْليقا *

قال ابنُ الأعرابيّ‏:‏ بَرِق الرّجُل ذهبَتْ عَيناهُ في رأسه، ذَهَب عقلُه‏.‏ قال اليزيديّ‏:‏ بَرَق وجهَهُ بالدُّهن يَبْرُقُ بَرْقاً، وله بَرِيقٌ، وكذلك بَرَقْتُ الأَديمَ أبرُقُه بَرْقاً، وبرّقته تبرِيقاً‏.‏

قال أبو زيد‏:‏ بَرَق طعامَهُ بالزَّيت أو السّمن أو ذَوْب الإهالة، إذا جعَلَه في الطّعام وقلَّلَ مِنه‏.‏

قال اللِّحيانيّ‏:‏ بَرِق السّقاءُ يبْرَقُ بَرَقاً وبُرُوقاً، إذا أصابَهُ حَرٌّ فذاب زُبْدُهُ‏.‏ قال ابنُ الأعرابيّ‏:‏ يقال زُبْدَةٌ بَرِقة وسقاءٌ بَرِقٌ، إذا انقطعا من الحرّ‏.‏ وربما قالوا زُبْدٌ مُبْرِقٌ‏.‏ والإبريق معروفٌ، وهو من الباب‏.‏ قال أبو زيد‏:‏ البَرْوقُ شجرةٌ ضعيفة‏.‏ وتقول العرب‏:‏ ‏"‏هو أشْكَرُ مِنْ بَرْوَقَةٍ‏"‏، وذلك أنّها إذا غابت السماء اخضرَّت ويقال إنّه إذا أصابَها المطرُ الغزير هَلَكتْ‏.‏ قال الشاعر يذكُرُ حَرْباً‏:‏

تَطِيحُ أَكُفُّ القَوم فيها كأنما *** يَطِيحُ بها في الرَّوْعِ عيدانُ بَرْوَقِ

وقال الأسود يذكر امرأةً‏:‏

ونالَتْ عَشاءً من هَبِيدٍ وبَرْوَقٍ *** ونالت طعاماً مِن ثلاثةِ أَلْحُمِ

وإنما قال ثلاثة ألحُمٍ، لأنَّ الذي أطعمها قانِصٌ‏.‏

قال يعقوب‏:‏ بَرِقَتِ الإبل تَبْرَقُ بَرَقاً، إذا اشتكت بطونُها مِنه‏.‏

وأما الأصل الآخرُ فقال الخليل وغيرهُ‏:‏ تسمَّى العَين بَرقَاءَ لسوادِها وبياضِها‏.‏ وأنشد‏:‏

ومنحدرٍ مِنْ رأسِ بَرْقَاءَ حطَّهُ *** مَخافةُ بَيْنٍ من حبيبٍ مزايِلِ

المنحدر‏:‏ الدمع‏.‏ قالوا‏:‏ والبَرَق مصدر الأبرق من الحِبال والجِبال، وهو الحَبْل أُبْرِم بقُوّةِ سَوْداءَ وقوّةٍ بيضاء‏.‏ ومن الجبال ما كان منه جُدَدٌ بيضٌ وجُدَدٌ سود‏.‏ والبَرْقاء من الأرض طرائق، بقعة فيها حجارةٌ سودٌ تخالطها رَملةٌ بيضاء‏.‏ وكلُّ قطعةٍ على حِيالِها بُرقَة‏.‏ وإذا اتّسَعَ فهو الأبْرَق والأبارق والبراق‏.‏ قال‏:‏

لَنَا المصانِعُ* من بُصْرَى إلى هَجَرٍ *** إلى اليمامةِ فالأجْرَاعِ فالبُرَقِ

والبُرْقَةُ ما ابيضَّ من فَتْل الحَبْلِ الأسوَد‏.‏

قال أبو عمرو الشّيبانيّ‏:‏ البُرَق ما دَفَع في السَّيل من قَبَل الجَبل‏.‏ قال‏:‏

* كأنَّها بالبُرَقِ الدّوافِعِ *

قال قُطْرُب‏:‏ الأبْرَق الجبلُ يعارضُك يوماً وليلةً أمْلس لا يُرْتَقَى‏.‏ قال أبو زيادٍ الكلابيّ‏:‏ الأبْرَقُ في الأرض أَعالٍ فيها حجارةٌ، وأسافلُها رملٌ يحلُّ بها الناس‏.‏ وهي تُنْسَب إلى الجِبال‏.‏ ولمّا كانت صفةً غالبةً جُمعَتْ جَمْعَ الأسماء، فقالوا الأبارِق، كما قالوا الأباطح والأَداهِم في جمع الأدهم الذي هو القيد، والأساوِد في جمع الأسود الذي هو الحيّة‏.‏ قال الرّاعي‏:‏

وأفَضْنَ بعد كُظُومِهِنَّ بحَرَّةٍ *** مِنْ ذِي الأبارِقِ إذْ رَعَيْنَ حقيلا

قال قُطرُب‏:‏ بنو بارقٍ حَيٌّ من اليمن من الأشعَرِينَ‏.‏ واسم بارقٍ سعدُ بنُ عدِيّ، نَزَل جبَلاً كان يقال لـه بارق، فنُسِب إليه‏.‏ ويقال لولده بنو بارقٍ، يُعرَفون به‏.‏

قال بعضُ الأعراب‏:‏ الأبْرَق والأبارِق من مكارم النّبات، وهي أرضٌ نصفٌ حجارةٌ ونصفٌ ترابٌ أبيضُ يَضرِبُ إلى الحمرة، وبها رَفَضُ حجارةٍ حُمْرٍ‏.‏ وإذا كان رملٌ وحجارةٌ فهو أيضاً أبرق‏.‏ وإذا عَنَيْتَ الأرضَ قلتَ بَرْقاءَ‏.‏ والأبرقُ يكونُ علماً سامِقاً مِن حجارةٍ على لونين، أو من طينٍ وحجارة‏.‏ والأبرقُ والبُرْقَةُ، والجميع البُرق والبِراق والبَرْقَاوات‏.‏

قال الأصمعيّ البُرْقَانُ ما اصفرّ مِن الجراد وتلوَّنت فيه ‏[‏خطوطٌ واسودّ‏]‏‏.‏ ويقال رأيت دَباً بُرْقاناً كثيراً في الأرض، الواحدة بُرْقانة، كما يقال ظَبْيةٌ أُدْمَانَةٌ وظباءٌ أُدْمَانٌ‏.‏ قال أبو زياد‏:‏ البُرْقان فيه سوادٌ وبياضٌ كمثل بُرْقَةِ الشّاةِ‏.‏ قال الأصمعيّ‏:‏ وبَرْقاءُ أيضاً‏.‏ قال أبو زياد‏:‏ يمكث أوّلَ ما يخرُجُ أبيضَ سبعاً، ثم يسودُّ سبْعاً، ثم يصير بُرقاناً‏.‏

والبرقاء من الغَنم كالبَلْقاء من الخيل‏.‏

‏(‏برك‏)‏

الباء والراء والكاف أصلٌ واحدٌ، وهو ثَباتُ الشيءِ، ثم يتفرع فروعاً يقاربُ بعضُها بعضاً‏.‏ يقال بَرَك البَعيرُ يَبْرُكُ بُرُوكاً‏.‏ قال الخليل البَرْك يَقَعُ على ما بَرَك مِن الجِمال والنُّوق على الماء أو بالفلاة، من حرِّ الشمس أو الشِّبع، الواحد باركٌ، والأنثى باركة‏.‏ وأنشد في البَرْك أيضاً‏:‏

بَرْك هُجُود بفَلاةٍ قَفْرِ *** أَحمْى عليها الشمسَ أبْتُ الحَرِّ

الأبْتُ‏:‏ شِدّة الحرّ بلا ريح‏.‏ قال أبو الخطَّاب‏:‏ البَرْك الإبلُ الكثيرةُ تَشربُ ثم تَبْرُك في العَطَن، لا تكونُ بَرْكاً إلا كذا‏.‏ قال الخليل‏:‏ أبركْتُ الناقةَ فبرَكَتْ‏.‏ قال‏:‏ والبَرْك أيضاً كَلْكَل البعير وصدرُه الذي يدكُّ به الشيءَ تحتَه‏.‏ تقول‏:‏ حَكَّه ودَكَّهُ بِبرْكِهِ‏.‏ قال الشاعر‏:‏

فأقعَصَتْهُمْ وحَكَّتْ بَرْكَها بهمُ *** وأعْطَتِ النَّهْبَ هَيَّانَ بنَ بَيَّانِ

والبِرْكَة‏:‏ ما وَلِيَ الأرضَ من جِلد البَطْن وما يليه من الصَّدر، مِنْ كلِّ دابة‏.‏ واشتقاقُه مِن مَبرَكِ الإبل، وهو الموضع الذي تَبرُكُ فيه، والجمع مبارك‏.‏ قال يعقوب‏:‏ البِرْكَة من الفَرَس حيثُ انتصبَتْ فَهْدَتَاه من أسفل، إلى العِرْقين اللذين دون العَضُدين إلى غُضُون الـذّّراعين من باطن‏.‏

قال أبو حاتم‏:‏ البَرْك بفتح الباء‏:‏ الصدر، فإذا أدخلت الهاء كسرت الباء‏.‏ قال بعضُهم‏:‏ البَرْكُ القَصُّ‏.‏ قال الأصمعيّ‏:‏ كان أهلُ الكوفة يسمُّون زياداً أشْعر بَرْكاً‏.‏ قال يعقوب‏:‏ يقول العرب‏:‏ ‏"‏هذا أَمْرٌ لا يَبْرُك عليه إبلي‏"‏ أي لا أقرَبُه ولا أقْبَله‏.‏ ويقولون أيضاً‏:‏ ‏"‏هذا أمْرٌ لا يَبْرُك عليه الصُّهْبُ المحزَّمَة‏"‏ يقال ذلك للأمر إذا تفاقَمَ واشتدّ‏.‏ وذلك أنّ الإبلَ إذا أنكرت الشَّيءَ نَفَرتْ منه‏.‏

قال أبو عليّ‏:‏ خصّ الإبلَ لأنّها لا تكاد تبرك في مَبْرَكٍ حَزْنٍ، إنّما تطلبُ السهولة، تذوقُ الأرضَ بأخفافها، فإن كانَتْ سهلةً بَرَكَتْ فيها‏.‏ قال أبو زيد‏:‏ وفي أنواءِ الجَوْزاء نَوْءٌ يقال له ‏"‏البُرُوك‏"‏*، وذلك أنّ الجوزاء لا تسقُط أنواؤُها حتى يكون فيها يومٌ وليلةٌ تَبرك الإبلُ من شِدّة بَردِه ومَطَره‏.‏ قال‏:‏ والبُرَكُ عوفُ بن مالك بن ضُبَيعة، سُمِّي به يوم قِضَّة؛ لأنه عقر جَمَله على ثَنِيَّة وأقام، وقال‏:‏ ‏"‏أنا البُرَك أبْرُك حيثُ أُدْرَك‏"‏‏.‏

قال الخليل‏:‏ يقال ابتَرَك الرّجلُ في آخر يَتَنَقَّصه ويشتمُهُ‏.‏ وقد ابتركوا في الحرب إذا جَثَوا على الرُّكَبِ ثمّ اقتتلوا ابتِراكاً‏.‏ والبَرَاكاءُ اسمٌ من ذلك، قال بِشْرٌ فيه‏:‏

ولا يُنْجِي مِن الغَمَراتِ إلاّ *** بَرَاكاءُ القِتالِ أو الفِرارُ

قال أبو عبيدة‏:‏ يقولون بَرَاكِ بَرَاكِ، بمعنى ابرُكوا‏.‏ قال يعقوب‏:‏ يقال بَرَك فلانٌ على الأمور وبَارَك جميعاً، إذا َواظبَ عليه‏.‏ وابتَرَك الفَرَسُ في عَدْوه، أي اجتهَد‏.‏ قال‏:‏

* وهنَّ يَعْدُونَ بنا بُروكَا *

قال الخليل‏:‏ يقال أبْرَكَ السّحابُ، إذا ألحّ بالمطر على المكان‏.‏ قال غيره‏:‏ بل يقال ابترك‏.‏ وهو الصحيح‏:‏ وأنشد‏:‏

ينْزع عنها الحَصَى أجَشُّ مُبْتَرِكٌ *** كأنَّهُ فاحصٌ أو لاعِبٌ دَاحِ

فأمّا قول الكميت‏:‏

ذو برْكةٍ لم تَغِض قَيداً تشيع به *** من الأفاويق في أحيانها الوُظُبِ

الدّائمة‏.‏ فإنّ البِركة فيما يقال أن تُحلَب قبل أن تخرج‏.‏

قال الأصفهاني عن العامريّ‏:‏ يقال حَلبتُ النّاقة بِركتَها، وحلبْتُ الإبل بِركتها، إذا حَلَبْتَ لبنَها الذي اجتمع في ضرعها في مَبْرَكها‏.‏ ولا يقال ذلك إلاّ بالغُدُوات‏.‏ ولا يسمَّى بِركةً إلاّ ما اجتمع في ضرعها باللّيل وحُلِب بالغُدْوة‏.‏ يقال احلُبْ لنا مِنْ بِرَك إبلك‏.‏

قال الكسائيّ‏:‏ البِركة أن يدرّ لبنُ الناقة باركة فيقيمَها فيحلُبها‏.‏ قال الكُميت‏:‏

* لَبون جودِك غير ماضِرْ *

قال الخليل‏:‏ البرْكة شبه حوضٍ يُحفَر في الأرض، ولا تُجعَل له أعضادٌ فوقَ صعيدِ الأرض‏.‏ قال الكلابيُّون‏:‏ البركة المَصْنَعة، وجميعها بِرَكٌ، إلا أنّ المَصْنعةَ لا تُطوَى، وهذه تُطوَى بالآجُرّ‏.‏

قال الخليل‏:‏ البَرَكة من الزيادة والنماء‏.‏ والتّبريك‏:‏ أن تَدعُوَ بالبَرَكة‏.‏

و‏{‏تَبَارَكَ اللهُ‏}‏ ‏[‏الأعرف 54‏]‏ تمجيدٌ وتجليل‏.‏ وفُسِّر على ‏"‏تعالى الله‏"‏‏.‏ والله أعلم بما أراد‏.‏ قال أبو حاتم‏:‏ طعامٌ بَريكٌ أي ذو بَرَكة‏.‏

‏(‏برم‏)‏

الباء والراء والميم يدلُّ على أربعة أصولٍ‏:‏ إحكام الشَّيء، والغَرَض به، واختلاف اللَّونين، وجنسٌ من النَّبات‏.‏

فأمّا الأوّل فقال الخليل‏:‏ أبْرَمْتُ الأمرَ أحكمتُه‏.‏ قال أبو زياد المَبَارم مغازلُ ضِخامٌ تُبْرِم عليها المرأةُ غَزْلَها، وهي من السَّمُر‏.‏ ويقال أبرمْتُ الحبْلَ، إذا فتَلْتَه متيناً‏.‏ والمُبْرَم الغزْل، وهو ضد السَّحِيل، وذلك أنّ المُبْرَم على طاقَينِ مفتولين، والسَّحِيل على طاقٍ واحد‏.‏

وأمّا الغَرَض فيقولون‏:‏ بَرِمْتُ بالأمرِ عَيِيتُ به، وأبرمَني أعياني‏.‏ قال‏:‏ ويقولون أرجُو أنْ لا أَبْرَمَ بالسُّؤالِ عن كذا، أي لا أَعْيَا‏.‏ قال‏:‏

* فلا تعْذُليني قد بَرِمْتُ بحيلتي *

قال الخليل‏:‏ بَرِمْتُ بكذا، أي ضَجِرتُ به بَرَماً‏.‏ وأنشد غيرهُ‏:‏

ما تأمُرِين بنَفْسٍ قد بَرِمْتُ بها *** كأنّما عُروةُ العُذْريُّ أَعْدَاها

مشعوفةٍ بالتي تُرْبانُ مَحْضَرُها *** ثم الهِدَمْلَةُ أَنْفَ البَرْدِ مَبْدَاها

ويقال أبرمَني إبراماً‏.‏ وقال ‏[‏ابن‏]‏ الطّثْرِيّة‏:‏

فلمّا جِئْتُ قالت لي كلاماً *** برِمْتُ فما وجَدْتُ لـه جَوَابا

وأمّا اختلاف اللّونَين فيقال إنّ البريمَينِ النوعانِ من كلِّ ذي خِلْطَيْنِ، مثل سوادِ الليل مختلطاً ببياض النهار، وكذلك الدَّمع مع الإثْمِد بَريمٌ‏.‏ قال علقمة‏:‏

بعيْنَيْ مَهَاةٍ تَحدُرُ الدَّمْعَ مِنْهُما *** بَرِيمَيْنِ شَتَّى من دُموعٍ وإثمِدِ

قال أبو زيد‏:‏ ولذلك سُمِّي الصُّبحُ أوّلَ ما يبدُو بَريِماً، لاختلاط بياضِه بسواد اللّيل‏.‏ قال‏:‏

على عَجَلٍ والصُّبْحُ بادٍ كأَنّهُ *** بأَدْعَجَ من ليل التِّمامِ بَريمُ

قال الخليل‏:‏ *يقول العرب‏:‏ هؤلاء بَرِيمُ قومٍ، أي لفِيفُهم من كلِّ لونٍ‏.‏ قالت ليلى‏:‏

يأيُّها السَّدِمُ المُلَوِّي رأسَه *** ليَقُودَ مِنْ أهلِ الحِجازِ بَريما

قال أبو عُبيدٍ‏:‏ تقول اشْوِ لَنَا من بَريمَيْها، أي من الكَبِدِ والسَّنام‏.‏ والبَريم‏:‏ القَطِيعُ من الظّباء‏.‏ قال‏:‏ والبريم شيءٌ تشدُّ به المرأة وسَطَها منظَّم بخَرَزٍ‏.‏ قال الفرزدق‏:‏

محضَّرَةٌ لا يُجْعَلُ السِّتْرُ دُونَها *** إذا المُرْضِعُ العَوْجَاءُ جال بَرِيمُهَا

والأصل الرابع‏:‏ البرَم، ‏[‏وأطيبُها ريحاً‏]‏ بَرَمُ السَّلَم، وأَخْبَثُها ريحاً بَرَمَةُ

العُرْفُط، وهي بيضاءُ كبرَمَةِ الآس‏.‏ قال الشيبانيّ‏:‏ أبْرَمَ الطَّلْحُ، وذلك أوّلَ ما يُخْرِجُ ثمرتَه‏.‏ قال أبو زياد‏:‏ البرَمَةُ الزّهرةُ التي تخرج فيها الحُبْلة‏.‏

أبو الخطاب‏:‏ البَرَم أيضاً حُبوبُ العِنَب إذا زادَتْ على الزَّمَعِ، أمثال رُؤوس الذّرّ‏.‏

وشذّ عن هذه الأصول البُرَام، وهو القُرَادُ الكبير‏.‏ يقول العرب‏:‏ ‏"‏هو أَلْزَقُ مِنْ بُرام‏"‏‏.‏ وكذلك البُرْمَة، وهي القِدْر‏.‏

‏(‏برو/ي‏)‏

الباء والراء والحرف المعتلّ بعدهما وهو الواو والياء أصلان‏:‏ أحدهما تسويةُ الشّيءِ نحتاً، والثاني التعرُّض والمحاكاة‏.‏ فالأصل الأوّلُ قولهم بَرَى العُود يَبرِيه بَرْياً، وكذلك القلم‏.‏ وناسٌ يقولون يَبْرو، وهم الذين يقولون للبُرّ يَقْلُو، وهو بالياء أصوب‏.‏ قال الأصمعيّ‏:‏ يقال بَرَيْتُ القَوْسَ بَرْياً وبُرَايةً، واسمُ ما يسقط منه البُرَايَة، ويتوسّعُون في هذا حتى يقولوا مَطَرٌ ذو بُرَاية أي يَبري الأرضَ ويقْشُرُها‏.‏

قال الخليل‏:‏ البَرِيُّ السّهْمُ الذي قد أُتِِمَّ بَرْيُه ولم يُرَشْ ولم يُنَصَّلْ‏.‏ قال أبو زيد‏:‏ يقول العربُ‏:‏ ‏"‏أَعْطِ القَوْسَ بَاريَها‏"‏ أي كِلِ الأمْرَ إلى صاحبِه‏.‏

فأمّا قولُهم للبعير إنّه لذُو بُرَايةٍ فمن هذا أيضاً، أي إنّهُ بُرِيَ برياً مُحْكماً‏.‏ قال الأصمعيّ‏:‏ يُقال للبعير إذا كان باقياً على السير‏:‏ إنّه لَذُو بُرايةٍ‏.‏ قال الأعلم‏:‏

على حَتِّ البُرَاية زَمْخَرِِيّ الـ *** سَّوَاعِِدِِ ظَلَّ في شَرْيٍٍ طُِِوَالِ

وهو أنْ ينحتَّ من لحمه ثم ينحَتَّ، لا ينْهَمُّ في أوّل سفَرِه، ولكنَّه يذهبُ منه ثمّ تبقى بُرايَةٌ، ثم تذهب وتبقى بُراية‏.‏ وفلانٌ ذو بُرايةٍ أيضاً‏.‏

ومن هذا الباب أيضاً البُرَةُ، وهي حلْقَةٌ تُجعل في أنف البعير، يقال ناقة مُبْرَاةٌ وجملٌ مُبْرىً، قال الشاعر‏:‏

فقَرّبْتُ مُبْراةً يُخالُ ضُلوعُها *** مِنَ الماسِخِيَّاتِ القِسِيَّ الموتَّرا

وهذه بُرَةٌ مَبْرُوَّةٌ، أي معمولة‏.‏ ويقال‏:‏ أبْرَيْتُ النّاقةَ أُبريها إبراءً، إذا جعَلْتَ في أنفها بُرَة‏.‏ والبُرَةُ أيضاً حَلْقَةٌ مِن ذهب أو فِضّة إذا كانتْ دقيقةً معطوفَةَ الطَّرَفين، والجمع البُرَى والبُرُون والبِرُون‏.‏ وكلُّ حلقةٍ بُرَةٌ‏.‏

قال أبو عُبيدٍ‏:‏ ذُو البُرَةِ الذي ذكره عَمرو بن كلثومٍ‏:‏

وذُو البُرَةِ الذي حُدِّثْتَ عنه *** به نُحْمَى ونَحمي المُلْجَئِينا

رجلٌ تَغْلِبيّ كان جعَلَ في أنفِه بُرَةً لنَذْرٍ كان عليه‏.‏ وقيل البُرَة سيفٌ، كان له سيف يسمَّى البُرَة‏.‏ والبُرَاءُ النُّحَاتة، وهو من الباب‏.‏ قال الهُذَليّ‏:‏

* حَرِق المفارِق كالبُرَاءِ الأعفَرِ *

ومن الباب البَرَى الخَلْق، والبَرَى التُّرَابُ‏.‏ يقال ‏"‏بِفِيهِ البَرَى‏"‏، لأنَّ الخَلْق منه‏.‏

والأصل الآخَر المحاكاة في الصّنيع والتعرُّضُ‏.‏ قال الخليل‏:‏ تقول‏:‏ بارَيْتُ فلاناً أي حاكيتهُ‏.‏ والمباراة أن يبارِيَ الرّجلُ آخَرَ فيصنعَ كما يصنَعُ‏.‏ ومنه قولهم‏:‏ فلانٌ يُبارِي جيرانَه، ويُبارِي الرّيحَ، أي يُعطي ما هبّتِ الرّيح، وقال الرّاجز‏:‏

* يَبْرِي لها في العومان عائم *

أي يعارِضها‏.‏ قال الأصمعيّ‏:‏ يقال انْبَرَى له وبَرَى له أي تَعَرَّضَ، وقال‏:‏

* هِقْلَة شَدٍّ تَنْبرِي لِهِقْلِ *

وقال ذو الرمّة‏:‏

* تَبْرِي لَهُ صَعْلَةٌ خَرْجاء خَاضِعَةٌ *

قال ابن السكّيت‏:‏ تبرَّيتُ مَعروفَ فلانٍ وتَبَرَّيْتُ لمعروفه، أي تعرَّضْتُ‏.‏

قال‏:‏

وَأَهْلَةِ وُدٍّ قَدْ تَبَرَّيْتُ وُدَّهُمْ *** وأبْلَيْتُهُمْ في الوُدِّ جُهْدِي ونَائِلِي

يقال أهْلٌ وأهْلَةٌ‏.‏ وقال الراجز‏:‏

وَهْوَ إذا ما للصِّبَا تَبَرّى *** ولَبِسَ القَميصَ لم يُزَرَّا

وَجَرَّ أَطْرَافَ الرِّدَاءِ جَرَّا

‏(‏‏[‏برأ‏]‏‏)‏

فأما الباء والراء والهمزة فأصلان إليهما ترجع فُروع الباب‏:‏ أحدهما الخَلْق، يقال بَرَأَ الله الخلقَ يَبْرَؤُهم بَرْءَاً‏.‏ والبارئ الله جَلَّ ثناؤه‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَتُوبُوا إلى بَارِئِكُمْ‏}‏ ‏[‏البقرة 54‏]‏، وقال أميّة‏:‏

* الخالق البارئ المصَوِّرُ *

والأصل الآخَر‏:‏ التباعُد مِن الشيء ومُزايَلَتُه، من ذلك البُرْءُ وهو السَّلامة من السُّقم، يقال بَرِئْت وبرَأْتُ‏.‏ قال اللحيانيّ‏:‏ يقول أهل الحجاز‏:‏ بَرَأت من المرض أبرُؤُ بُرُوءَاً‏.‏ وأهل العالِيَة يقولون‏:‏ ‏[‏بَرَأْتُ أَبْرَأ‏]‏ بَرْءاً‏.‏ ومن ذلك قولهم برئْتُ إليك من حقّكَ‏.‏ وأهلُ الحجاز يقولون‏:‏ أنا بَرَاءٌ منك، وغيرهم يقول أنا بريءٌ منك‏.‏ قال الله تعالى في لغة أهل الحجاز‏:‏ ‏{‏إنَّني بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ‏}‏ ‏[‏الزخرف 26‏]‏ وفي غير موضعٍ من القرآن ‏{‏إنّي بَريءٌ‏}‏، فمن قال أنا بَرَاءٌ لم يُثَنِّ ولم يؤنث، ويقولون‏:‏ نحن البَرَاءُ والخَلاَء من هذا‏.‏ ومَنْ قال بريء قال بريئان وبريئون، وبُرَآء على وزن بُرَعاء، وبُراء بلا إجراءنحو بُراع، وبِراءٌ مثل بِراعٍ‏.‏ ومن ذلك البَراءة من العَيبِ والمكروه، ولا يقال منه إلا بَرِئَ يَبْرَأُ‏.‏ وبارَأْت الرّجُلَ، أي برئْتُ إليه وبَرِئَ إليَّ‏.‏ وبارَأَتِ المرأةُ صاحِبَها على المفارقة، وكذلك بارأْتُ شرِيكي وأبرأْتُ من الدَّين والضَّمان‏.‏ ويقال إنّ البَراءَ آخِرُ ليلةٍ من الشّهْر، سُمّي بذلك لتبرُّؤ القمر من الشهر‏.‏ قال‏:‏

* يوماً إذا كانَ البَراءُ نَحْسَا *

قال ابنُ الأعرابي‏:‏ اليوم البَراءُ السَّعْدُ، أي إنه بريءٌ مما يُكْرَه‏.‏ قال الخليل‏:‏ الاستبراء أنْ يشترِيَ الرّجُلُ جاريةً فلا يَطَأَها حتى تحيض‏.‏ وهذا من الباب لأنها قد بُرّئَتْ من الرِّيبة التي تمنَع المشتريَ من مُبَاشَرَتِها‏.‏ وبُرْأَةُ الصّائدِ ناموسُه وهي قُتْرَتُه والجمع بُرَأٌ؛ وهو من الباب، لأنه قد زايَلَ إليها كل أحد‏.‏ قال‏:‏

* بها بُرَأٌ مثل الفَسِيل المُكَمَّمِ *

‏(‏برت‏)‏

الباء والراء والتاء أصلٌ واحدٌ، وهو أنْ يَغِلَ الشّيءُ وُغولاً‏.‏ من ذلك البَُرت، وهي الفأس، وبها شُبّه الرّجُل الدّليلُ، لأنّه يَغِلُ في الأرض ويهتدي في الظُّلَم‏.‏

‏(‏برث‏)‏

الباء والراء والثاء أصلٌ واحد، وهي الأرض السّهلة، يقال للأرض السهلة بَرْثٌ، والجمع بِراثٌ‏.‏ وجعلها رُؤبة البَرارِث، ويقال إنّه خطأ‏.‏

‏(‏برج‏)‏

الباء والراء والجيم أصلان‏:‏ أحدهما البُروز والظُّهور،والآخر الوَزَرُ والملجأ‏.‏ فمن الأوّل البَرَج وهو سَعَة العين في شدّةِ سوادِ سَوادِها وشدّة ‏[‏بياض‏]‏ بياضها، ومنه التّبرُّج، وهو إظهار المرأةِ مَحاسِنَها‏.‏

والأصل الثاني البُرْجُ واحِدُ بُروجِ السّماء‏.‏ وأصل البرُوج الحُصونُ والقُصور قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَوْ كُنْتُمْ في بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ‏}‏ ‏[‏النساء 78‏]‏‏.‏ ويقال ثوبٌ مُبَرَّجٌ إذا كان عليه صور البُرُوج‏.‏

‏(‏برح‏)‏

الباء والراء والحاء أصلان يتفرّع عنهما فروعٌ كثيرة‏.‏ فالأول‏:‏ الزَّوال والبروزُ والانكِشاف‏.‏ والثاني‏:‏ الشِّدَّة والعِظَم وما أشبههُما‏.‏

أمّا الأول فقال الخليل‏:‏ بَرَحَ يَبْرَحُ بَرَاحا إذا رَامَ مِن موضِعِه، وأبرحته أنا‏.‏ قال العامريّ‏:‏ يقول الرّجُل لراحلتهِ إذا كانت بطيئةً‏:‏ لا تَبْرَحُ بَرَاحاً يُنْتَفَعُ به‏.‏ ويقول‏:‏ ما برِحْتُ أفْعَلُ ذلك، في معنى مازِلْت‏.‏ قال الله تعالى حكايةً عمَّن قال‏:‏ ‏{‏لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِِينَ‏}‏ ‏[‏طه 91‏]‏ أي لن نَزَالَ‏.‏ وأنشد‏:‏

فأبْرَحُ مَا أَدَامَ اللهُ قَوْمي *** بِحَمْدِ اللهِ مُنْتَطِقاً مُجِيداً

أي لا أزال‏.‏ ومُجيدٌ‏:‏ صاحبُ فرسٍ جَواد، ومُنْتطقٌ‏:‏ قد شَدّ عليه النِّطاق‏.‏ ويقول العرب‏:‏ ‏"‏بَرَِحَ الخَفَاء‏"‏ أي انكشَفَ الأمر‏.‏ وقال‏:‏

*بَرِحَ الخفاءُ فما لَدَيَّ تجلُّد *

قال الفرّاء‏:‏ وبرَح بالفتح أيضاً، أي مضى، ومنه سُمِّيت البارحة‏.‏ قالوا‏:‏

البارحة الليلة التي قبلَ لَيْلَتِك، صفةٌ غالبةٌ لها‏.‏ حتّى صار كالاسم‏.‏ وأصلها من بَرح، أي زال عَنْ موضعه‏.‏

قال أبو عبيدة في* المثل‏:‏‏"‏ما أشْبَهَ اللّيْلَةَ بالبارِحة‏"‏ للشيء ينتظرُه خيراً من شيءٍ، فيَجيءُ مِثْلَه‏.‏

قال أبو عُبيد‏:‏ البِرَاح المكاشَفة، يقال بَارَحَ بِراحاً كاشَفَ‏.‏ وأحسبُ أنّ البارحَ الذي هو خلافُ السّانح مِن هذا؛ لأنّه شيءٌ يبرُزُ ويَظْهر‏.‏ قال الخليل‏:‏ البُرُوح مصدر البَارح وهو خلافُ السَّانح، وذلك من الظِّباء والطير يُتشاءم به أو يُتَيَمَّن، قال‏:‏

وهنَّ يَبْرُحْنَ لَهُ بُرُوحا *** وتَارَةً يأتِينَهُ سُنُوحَا

ويقول العرب في أمثالها‏:‏ ‏"‏هو كبارِحِ الأَرْوَى، قليلاً ما يُرَى‏"‏‏.‏ يُضْرَبُ لمن لا يكادُ يُرَى، أو لا يكونُ الشيءُ منه إلاّ في الزّمان مرّةً‏.‏ وأصلُهُ أنّ الأرْوَى مساكِنُها الجِبالُ وقِنانُها، فلا يكاد الناسُ يَرَوْنها سانحةً ولا بارحةً إلاّ في الدّهرِ مرّةً‏.‏ وقد ذَكَرْنا اختلافَ الناسِ في ذلك في كتاب السّين، عند ذكرنا للسّانح‏.‏ ويقال في قولهم‏:‏ ‏"‏هو كبارحِ الأرْوَى‏"‏ إنّه مشؤوم من وجهين‏:‏ وذلك أنّ الأروى يُتشاءَم بها حيث أتَتْ، فإذا بَرَحَتْ كانَ أعظَمَ لشُؤْمِها‏.‏

والأصل الآخرُ قال أبو عُبيدٍ‏:‏ يقال ما أبْرَحَ هذا الأمرَ، أي أعجَبَه‏.‏ وأنشد للأعشى‏:‏

* فأَبْرَحْتِ رَبّاً وأَبْرَحْتِ جَارَا *

وقالوا‏:‏ معناه أعظَمْتِ، والمعنى واحدٌ‏.‏ قال ابنُ الأعرابيّ‏:‏ يقال أبْرَحْتُ بفلانٍ، أي حَمَلْتَه على ما لا يُطيق فَتَبَرَّحَ به وغَمَّه‏.‏ وأنشد‏:‏

* أبْرَحْتَ مَغْرُوساً وأنْعَمْتَ غَارِسا *

ابن الأعرابيّ‏:‏ البَرِيح التَّعب‏.‏ قال أبو وَجْزة‏:‏

على قَعُودٍ قد وَنَى وقد لَغِبْ *** به مَسِيحٌ وَبرِيحٌ وصَخَبْ

المسيح‏:‏ العَرَق‏.‏ أبو عمرو‏:‏ ويقال أبْرَحْتَ لُؤْماً وأبرَحْتَ كَرماً‏.‏ ويقال بَرْحَى له إذا تعجَّبتَ لـه‏.‏ ويقال‏:‏ البعيرُ بُرْحَةٌ من البُرَح، أي خِيار‏.‏ وأعطِني مِنْ بُرَحِ إبلك، أي من خِيارها‏.‏

قال الخليل‏:‏ يقال بَرّح فلانٌ تَبْرِيحاً فهو مُبَرِّحٌ إذا أذى بالإلحاح؛ والاسم البَرْح‏.‏ قال ذو الرُّمّة‏:‏

* والهوى بَرْحٌ على من يُطالِبُهْ *

والتّباريح‏:‏ الكُلْفة والمَشَقّة‏.‏ وضربَهُ ضَرْباً مُبَرِّحاً‏.‏ وهذا الأمر أبْرَحُ عليَّ مِن ذَاكَ، أي أشق‏.‏ قال ذو الرُّمة‏:‏

أنيناً وشَكْوَى بالنّهارِ كَثيرةً *** عَلَيَّ وما يأتي به الليلُ أَبْرَحُ

أي أشَقّ‏.‏ ويقال لقيتُ منه البُرَحِين والبَرَحَين وبناتِ بَرْحٍ وبَرْحاً بارحاً‏.‏ ومن هذا الباب البَوارح من الرّياح، لأنّها تحمل التراب لشدّة هبوبها‏.‏ قال ذو الرّمّة‏:‏

لا بلْ هو الشَّوْقُ مِنْ دَارٍ تَخَوَّنُها *** مَرّاً سحابٌ ومرّاً بارِحٌ تَرِبُ

فأمّا قول القائلِ عند الرّامي إذا أخطأ‏:‏ بَرْحَى، على وزن فَعْلى، فقال ابنُ دريد وغيرُه‏:‏ إنه من الباب، كأنه قال خُطّة بَرْحَى، أي شديدة‏.‏

‏(‏برخ‏)‏

الباء والراء والخاء أصل واحدٌ، إن كانَ عربيّاً فهو النَّماء والزيادة، ويقال إنها من البَرَكة وهي لغة نَبَطيّة‏.‏

‏(‏برد‏)‏

الباء والراء والدال أصول أربعة‏:‏ أحدها خلاف الحَرّ، والآخَر السُّكون والثبوت، والثالث الملبوس، والرابع الاضطراب والحركة‏.‏ وإليها تَرجِع الفُروع‏.‏

فأمّا الأوّل فالبَرْد خلافُ الحَرِّ‏.‏ يقال بَرَدَ فهو بارِد، وبَرَد الماءُ حرارةَ جَوْفِي يَبْرُدُها‏.‏ قال‏:‏

وعَطِّلْ قَلُوصِي في الرِّكاب فإنَّها *** سَتَبْرُدُ أكْباداً وتُبكي بَواكيا

ومنه قول الآخر‏:‏

لئن كان بَرْدُ الماءِ حَرّانَ صَادِياً *** إليَّ عجيبا إنّها لعَجِيبُ

وبَرَدْتُ عينَه بالبَرُودِ‏.‏ والبرَدَةُ‏:‏ التُّخَمةُ‏.‏ وسَحاب بَرِدٌ، إذا كانَ ذا بَرَد‏.‏ والأبردان‏:‏ طرَفَا النّهار‏.‏ قال‏:‏

إذا الأرْطَى تَوَسَّدَ أبردَيْهِ *** خُدودُ جَوازِئٍ بالرّملِ عِينِ

ويقال البَرْدَانِ‏.‏ ويقال للسُّيوف البَوارِد، قال قوم‏:‏ هي القواتلُ، وقال آخرون‏:‏ مَسُّ الحديد باردٌ‏.‏ وأنشد‏:‏

وأنَّ أميرَ المؤمِنينَ أَغصَّني *** مُغَصَّهما بالمُرْهَفاتِ البوارِدِ

ويقال جاؤوا مُبْرِدين، أي جاؤوا وقد باخَ الحرُّ‏.‏

وأما الأصل الآخر فالبرد النَّوم‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً ولا شَرَاباً‏}‏ ‏[‏النبأ 24‏]‏‏.‏ وقال الشاعر‏:‏

فإنْ شِئْتِ حَرّمْتُ النِّساءَ عليكمُ *** وإن شِئْتِ لم أطْعم نُقاخاً ولا بردَا

ويقال بَرَد الشيءُ إذا دامَ‏.‏ وأنشد أبو عبيدة‏:‏

اليوم يومٌ بارِدٌ سَمُومُه *** مَن جَزِع اليومَ فلا تَلومُه

بارد بمعنى دائم‏.‏ وبرَدَ لي على فلانٍ من المال كذا، أي ثَبَتَ‏.‏ وبَرَدَ في يدي كذا، أي حَصَل‏.‏ ويقولون بَرَدَ الرّجُلُ إذا ماتَ‏.‏ فيحتمل أن يكون من هذا، وأن يكون مِن الذي قَبْلَه‏.‏

وأما الثالث فالبُرْد، معروفٌ‏.‏ قال‏:‏

وإني لأَرْجُو أنْ تُلَفَّ عَجَاجَتي *** على ذِي كِساءٍ من سَلامانَ أو بُرْدِ

وبُرْدَا الجرادة‏:‏ جناحاها‏.‏

والأصل الرابع بَريد العَسَاكر؛ لأنه يَجيء ويذْهَب‏.‏ قال‏:‏

خَيَالٌ لأُمِّ السَّلسَبِيل ودُونها *** مَسيرةُ شَهْر للبريد المذَبذَبِ

ومحتمل أن يكون المِبْرَدُ من هذا، لأن اليَدَ تَضْطَرِبُ به إذا أُعمِلَ‏.‏